الاثنين، 9 يناير 2017

التوفيق من الله


 تجد من يمكث السنوات الطوال في طلب العلم ثم لا يخرج بتلك الحصيلة المبهرة مقارنة بعدد السنوات التي قضاها، وفي المقابل تلحظ من يثني ركبتيه سنيات قليلة تجد غزارة العلم وتوفيق الله وبركة العلم واضحة عليه، عندها تعلم أن العلم توفيق من الله وليس عن كثرة اجتهاد فقط قف وتأمل تلك الآيات: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً}، {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ}، {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}، {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ}،{ قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}، {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}،{ الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ}، {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا }، [وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا }، {عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}، (( من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين)).

   فالتوفيق منزلة عظيمة يهبها الله لمن أحب من عباده فإذا علم الله من عبده الصدق والإنابة إليه وفقه الله وهداه قال ربي ((قُلْ إِنَّ اللّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ)) فإذا وفق الله العبد يسر له أبواب الخير فتجده مستسهلا للصعاب طارحا للعقبات. قال الإمام أحمد رحمه الله <العلم مواهب من الله ليس كل أحد يناله>، ((اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)).

   إنه من توفيق الله لك أن تجد نفسك محباً للقراءة تنهل بنهم من كل مورد، ومن توفيقه أن يجعلك محباً للعلم وأهله ومن توفيقه سهل لك الوصول للعلماء الثقات وملازمتهم، ومن توفيق الله تبارك وتعالى لطالب العلم أن يوفق لمن يعينه على تحصيل العلم ونشره بين الناس فإن طلب العلم ونشره من أفضل القربات عند الله تعالى، ومن علامات التوفيق أن يرزق العبد بزوجة صالحة تعينه على أمور دينه ودنياه، ومن علامات توفيق الله للعبد أن يلهم السداد والصواب في الأقوال والأفعال والمواقف وهي الحكمة التي قال الله عنها سبحانه ((يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ)).

 من أراد التوفيق:
1. فعليه أن يصلح ما بينه وبين الله، وأن يتقي الله في السر والعلن ((وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)).
 2. إصلاح النية وإخلاص العمل لله وأن يقصد بعمله الآخرة ومن عرف الله منه صدق النية أعانه.
3. الاهتمام بالعبادة والتقرب إليه سبحانه بالفرائض والنوافل، انظر كيف قرن بين العبادة والعلم ((أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ )).
 4. ينطرح بين يدي مولاه يسأله الزيادة من العلم((وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا))، ((اللَّهُمَّ انْفَعْنِي بِمَا عَلَّمْتَنِي ، وَعَلِّمْنِي مَا يَنْفَعُنِي))، «اللهم إني أسألك علمًا نافعًا ورزقًا طيبًا، وعملاً متقبلاً»، ((اللهم ألهمنى رشدى وقنى شر نفسى)).
 5. العمل بالعلم، هتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ)).
 6. يقول الشيخ سعد الخثلان من أراد بركة العلم فعليه بنشره.

 إذا خشيت على كيس الذكريات أن يثقب وخشيت أن يتسلط الشيطان على ذاكرتك ((وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ)) فالجأ واعتصم ولذ بربك فإنه نعم المستعاذ سبحانه كيف لا وهو القائل ((سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى)).

 إذا أردت الفصاحة والبيان فسأله سبحانه أن يلين الأحرف بين أناملك وعلى لسانك، فإن قدوتك نبي الله موسى عليه السلام حين قال((قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي))، وضع بين عينيك قول الحق عز وجل ((عَلَّمَهُ الْبَيَانَ))، ((الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ))، ((وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ)).

 زبدة المقالة: طالب العلم يحتاج دائما إلى توفيق من الله وتثبيت له فهو العبد الضعيف المقصر الذي حمل أمانة الكلام في مسائل الشرع والحلال والحرام فإن لم يعان هلك، لذلك تجد من عادة أهل العلم عند التأليف أو الفتيا يقولوا، أقول وبالله التوفيق((وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ))

فاللهم افتح لنا من خزائن العلوم ولطائف المعارف وأبواب فضلك وقلوب خلقك وأبواب العلم والفهم وأنت خير الفاتحين اللهم لا تحرمنا فضلك بشر ما عندنا اللهم ارنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وارنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه
 تمت المقالة
((وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)).


 سعود محمد البديع يوم السبت 8/1/1436عصراً