كيف تتركهم يتجرعوا
غصص وألم الفراق، كيف تبتعد عنهم وتركت خلفك جراحات لا تندمل، سالت مآقيهم
بالدموع، وتقرحت أكبادهم، وذابت أجسادهم من مرارة هجرانك وقطيعتك، يعاتبهم القاصي
والداني أين فلان؟؟
يعيرهم البعض ببعدك ويتهمهم باتهامات!؟ ؛لم هذا الجفاء وفقر
المشاعر يا صاح، ألهذه الدرجة تجف مشاعرك أو تنعدم نحوهم، ويخبو ضوء حبك لهم،
ياليت شريط الحياة يعود؛ لتنظر ترقبهم لقدومك، لاعباك صغيرا وتوقعوا وأملوا منك
الكثير كبيرا، وأنك ستحفظ ذلك الجميل لهم، فلم هذا اللؤم و الصدود والجحود
والفظاظة والنكران؟!
أعطوك وسادة الحب ولحاف الحنان منحوك المودة الصادقة والعاطفة
الفياضة والرأفة والرحمة، امسكوا بيدك في دروب الحياة، فمن كرم النفس ونبلها
ومروءتها وسموها وأدبها أن تحسن لمن صنع إليها معروفا.
هجر الوالدين من أعلى وأقبح
مراتب العقوق ؛فهو إساءة وإيذاء وإزعاج ونكد صريح لهم وهو من أكبر الكبائر فقد
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم "أن من الكبائر عقوق الوالدين" ويعد فسقا
وخسارة للمرء وقلة تقوى قال: عز من قائل حكيما:
((وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ(26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ))
وهو متوعد بعدم دخول الجنة لقول المصطفى صلى الله
عليه وسلم:(( لا يدخل الجنة قاطع رحم )
وهو ملعون في كتاب الله:((فَهَلْ
عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا
أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ)
احذر يا هذا أن تصيبك
هذه الدعوة فالداعي جبريل عليه السلام والمؤمن محمد عليه الصلاة والسلام:(قال لي
جبريل : رغم أنف عبد أدرك أبويه أو أحدهما لم يدخله الجنة. قلت: آمين) إذا كان
المسلم يحرم عليه هجر أخاه المسلم فكيف يكون الأمر مع الوالدين:((وَلَا يَحِلُّ
لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ) فويل لمن تخلى عنهم وأخل بحقوقهم.
وقد يصيبك من
جراء رحيلك وإعراضك عنهم ؛العقوبة في الدنيا:((مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ
يُعَجِّلَ اللَّهُ تَعَالَى لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِى الدُّنْيَا - مَعَ مَا
يَدَّخِرُ لَهُ فِى الآخِرَةِ - مِثْلُ الْبَغْىِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ))
فإذا
ركب رأسه واتبع خطوات الشيطان ولم ينجع معه وعظ "فالمحاكم مشرعة أبوابها
لينال المخطئ جزاءه"، فيجدر بك أن تقطع على الشيطان طريقه ولا تسترسل معه.
فالتوبة التوبة بادر الآن فإن الحياة قصيرة والعمر تصرمت أيامه وامتثل وصية الله
لك:((وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً) وإياك أن تطير بجناحيك
عنهم فإن الله يقول: ((وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ).
فمن
العجب أن تجد أحدهم لطيف التعامل، طيب المعشر، طلق المحيا، لين العريكة، حسن الخلق
مع الآخرين؛ ولا يحظى بذلك من كانا سببا في وجوده وهذا مما ينافي الأدب والذوق قال
حبيبي صلى الله عليه وسلم "لما سئل من أحق الناس بحسن صحابتي" فأنبأه أن
أحق الناس بحسن التعامل الوالدان حتى ولو كانا مشركين فقد قال سبحانه:((وَإِنْ
جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا
وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً) فالمصاحبة تقتضي المخالطة والمشاركة
والإحسان لهم.
يا خيول العشق عودي للصهيل فاللائق بك أن تنطلق الآن نحوهم ولا
تتوان وأضحكهما كما أبكيتهما كفكف الدموع اطلب المسامحة منهما كن مذيبا للهم مزيلا
للغم وأسهم بمالك ورعايتك وإكرامك وخدمتك فذلك مما يرقق القلب ويستل السخائم ويجلب
المودة.
ادفن أشواقهم بمكالمة هاتفية ، رسالة ، هدية ، زيارة، تعمل ما في وسعك
لإدخال السرور عليهم شاركهم في أحزانهم وأفراحهم وستشرق عليك شموس الهناء والسعادة
والصفاء:(الزم رجلها فثم الجنة) وأبشر بسعة الرزق وطول العمر:((مَنْ أَحَبَّ أَنْ
يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ)
زيادة على ما سينالك من دعوات مباركات، وصلتك دلالة أكيدة على الإيمان بالله
واليوم الآخر:((مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَصِلْ
رَحِمَهُ).
واسأل الله أن يعاملك بعفوه وكرمه:((إِلا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ
عَمَلا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ
اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) واسأله أن يلم شمل المسلمين وأن يجبر خواطر المكلومين
وأن يجمع القلوب الشاردة مع أهليهم سالمين غانمين.
تغريدة المقالة أردت أن أسهم في
تلاشي هم الأمهات:((إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ)، وأجر
من نأى عن أهله إلى ميدان السباق والتنافس والتضحيات في بر الوالدين ابتغاء
المثوبة والأجر.
وأكثر يا صاحبي من قوله تعالى:((وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا
رَبَّيَانِي صَغِيرًا(24) رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن
تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورً)).
شارك في هاشتاق/
#هجر_الوالدين_جِريمة سعود محمد البديع 11/10/1436 مغرب يوم الاثنين