الثلاثاء، 16 أغسطس 2016

"خبر صارخ "

اتيت إلى الجامعة وفي  وقت مبكر جداً و اتجهت إلى الكلية و كنت أول من دخل القاعة أذكر أن الباب تلكأ معي حتى دفعته بشده جلست في مقعدي يعم أرجاء القاعة السكون و الهدوء أخرجت مذكرة الاختبار لأستذكر المادة بدأ الطلاب يفيدون إلى القاعة واحداً تلو الآخر و دخل علينا رائد القاعة وصوته متغير ليس كعادته يقول عندي خبر سيء ما رأيكم أن أكتبه على السبورة و أنا لا زال رأسي مدفون في مذكرتي لا أحب سماع الأخبار السيئة و الحياة يأتي بطبيعة الحال فيها الأخبار المزعجة؛ لا خيار لي في عدم سماع الخبر.. ما هو يا عمر قال: انتقل إلى رحمة الله أخينا عبد الرحمن ال..
أنطبعت صورته في ذهني سريعاً رحمه الله و تجاوز عنه ( الله يحلله و يبيحه ) قال: عمر تعرض لحادث و انتقل بسببه إلى رحمة الله صلوا عليه و قبروه و نحن نريد أن نذهب مجموعة من القاعة لنعزي أهلهُ فقال: طالب من عبدالرحمن فأجابه هو صاحب الصوت الضعيف الذي لا يكاد يسمع فكأن الطالب عرفه لا تستغرب من سؤاله و استفساره فالقاعة تضم مئة طالب تقريباً، لا أكاد أصدق هذا الخبر الفاجع، له وقع على قلبي ولا أستطيع حِمله بدأت الخواطر تأتيني من كل جهة تذكر ابتسامته و سمته و حسن خُلقه كان مقعده غالباً قريباً مني، وفاة الشاب في عنفوان شبابهِ أصعب بكثير على النفس من وفاة كبير السن و المريض الذي لا يُرجى برئه لأنهم مضنة الوفاة في أي وقت أكثر من غيرهم قلت في نفسي ( الله يصبر أمه و يجبر قلبها على فراق فلذة كبدها ) كيف ستصبر أمه على فراق ابنها الطموح وهو رحمه الله في المستوى السابع يأمل آمال و الموت قاطع للآمال و مفرق للجماعات هل نحن مستعدون للفراق يا أحبتي؟!! ماذا قدمنا لآخرتنا هل هي معمورة أم مدمره كيف حالنا مع الصلوات و القربات هل نحن في زيادة أو نقصان لنسأل أنفسنا عن تعاملنا مع الوالدين و الأقربين و القرآن و الصيام و القيام و سائر الطاعات هل فعلنا المأمور و اجتنبا المحظور ثق أيها الغالي أن الموت تخطاك لغيرك و سيأتي يوم يتخطى غيرك إليك و في هذا السياق يُذكر في المناهي اللفظية قول <المغفور له أو أنتقل إلى مثواه الأخير>، لما تلقيت خبر وفاته هجمت علي الخواطر و أذكر من بينها أني رأيت آخر كتاب كان ممسك به ولا أنسى قوله لي أن الشيخ عبدالكريم الخضير يُثني على الكتاب كان معه كتاب الأيام لطه حسين فحدثت نفسي قلت لها سبحان الله كأنه تنبيه له أي ما هي إلا أيام و ستفارق الدنيا عندها تضاءلت الدنيا في عيني و زداد أحتقاري لها لا زال ذهني يسبح في خواطر متعددة و عيني على مذكرتي قلت لن يختبر معنا الاختبار الدنيوي سيختبر أختباراً أخروياً عفى الله عنا و عنه ( آمين ) لن أمسح أسمه من جوالي حتى إذا رأيت أسمه يذكرني بالموت و أقوم بالدعاء له، أتهمت نفسي بالقسوة لماذا لم أنزل دمعة على الوداع؛ لهول الصدمة على قلبي جفت مدامعي، مما أذكره عن عبد الرحمن انه معلم في احدى حلقات التحفيظ يا تُرى هل سيفقد ما هي بصماته في الحلقة أحبابي ما دمنا على قيد الحياة لنعمل أعمال لا تنقطع بالموت لم يكتمل الخبر بعد ..



بقي على بدء المحاضرة بضع دقائق طرق سمعي صوت الرائد وهو يقول : عبد الرحمن حي فلتفت إلى مصدر الصوت و لم أصدق عيني الحمد لله عبد الرحمن حي توجهت إليه مسرعاً و فتحت أذرعي و ضممته بشدة ثم تركته و أنا أنظر إليه نظر محب ثم ضممته مرةً أخرى و تعثر لساني عن النطق و أخرجت حروفاً غير مفهومه وهو ينظر نظرات تعجب و ابتسامة عريضة ما الأمر ؟ فأخبره الرائد بالخبر المنقول و ما آفات الأخبار إلا رواتُها عدت إلى مقعدي و بدأت أجهش بالبكاء و تساقطت قطرات الدمع على دفتري و الدمع ما زال يسيل على خدي دخل دكتور المادة كفكفت دموعي سريعاً فلما انتهى من شرح المادة أتاني عبد الرحمن وجلس بجانبي يسألني من انبأكم بهذا فأخذتُ أسرد لهُ الخبر و أنا مبتسم سعيد بوجوده أمامي و ضاحكته بخواطري عن كتاب الأيام و اختبار الآخرة و أخبرني أنه انتهى من قراءة الكتاب الحمد لله الحمد لله الحمد لله الحياة نعمة إذا استثمرت في طاعة الله لم أكذب الخبر لأنه أتى من رائد القاعة و الأمر الآخر حدث مثل هذا الخبر معي في المستوى الثالث تعرض أحد الطلبة رحمه الله لحادث مروري ففارق الدنيا لذلك لم أكذب الخبر و كان الميت حقيقةً شخص مطابق لاسم زميلي في مستوى آخر فرحمة الله عليه ، استفيد من هذا الخبر أنه كان بإمكاني أرفع السماعة و أتصل على جواله اطمأنان عليه ...





                                                          سعود محمد البديع

                                                      الأحد 13/ 1 / 1432

‏20 ديسمبر، 2010‏، الساعة ‏04:51 مساءً‏





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.