ابو لمار: ~ وحي الخيال ~

دق صوت المنبه؛ فاستيقظ فزعاً ينظر يمنة ويسرة وبدأ يفرك وجهه، أشعل الأنوار، وقعت عينه على الساعة وإذا بوقت الدراسة أزف انطلق مسرعاً للمدرسة، والمدرسة ذائع صيتها بجودة معلميها وقد تخرج منها رموز في البلد يشار إليهم بالبنان، دلف إلى المدرسة والطلاب صفوف مستقيمة متهيئون لتمرينات الصباحية، بدأ مدرس الرياضة بالتدريبات والطلبة منهم الناعس والنشيط ، انصرف الطلاب بعد تمرينات خفيفة.

المقرر في جدول ياسر الأسبوعي، الحصة الأولى في هذا اليوم مادة القرآن فطلب معلم المادة من الطلبة الذين لم يكونوا على طهارة الذهاب إلى دورات المياه وقال فليخرج معهم من لم يصلي الفجر وتنبه ياسر أنه لم يصلي وتوجه معهم وصلى، ذكرهم المعلم بأهمية الصلاة وأخبرهم ببعض الوسائل المعينة لتنبه من النوم.

ياسر له عادات صباحية رائعة، من برنامجه الصباحي داخل المدرسة صلاة الضحى، والمحافظة على أذكار الصباح والمساء، يحمل في محفظته كروت الأذكار كي ينشرها بين زملائه، يساعد المحتاج من اخوانه الطلاب، يهتم بساعات ولحظات يومه يسعى لاستثمارها غاية الاستثمار، من الأفكار الجميلة التي يمارسها يكتب على السبورة حكمة، فائدة، مقولة، يتحلى بصفات نبيلة، عضو فاعل في جماعة المدرسة، طموح ، طلق المحيى، سمت، سماحة، آمر بالمعروف ناهي عن المنكر.

من مرافق المدرسة ملعب أخضر يفتح النفس مكان مخصص لتغيير الملابس، الملعب خطوطه واضحة، مستوٍ ،غير متعرج، الشباك الحديدية تحيط به من كل جانب حتى لا تقذف الكرة للخارج، مدرس الرياضة يعطي تعليمات و توجيهات نافعة يتحراها الطلاب، المدرس له تواصل بالأندية الرياضية ينتقي الموهوب من الطلاب لإلحاقه بالأندية، لدية نظرة ثاقبة في اختيار النجم المتألق، الفصل الذي يكون نصيبه الساعات المبكرة يحضى باللعب في المستطيل الأخضر أما الآخرون بعد أن أرسلت الشمس أشعتها بحرارة محرقة يتوجهون إلى المسبح البارد تغمره النظافة ويتابع تجديد الماء ، خصص بقعة من أفنية المدرسة وضع بها صالة رياضية حوت طاولة التنس والبلياردو والفريرة والطلاب يقضون أمتع الدقائق في حصة الرياضة.

والمدرسين يوصون بعدم أخذ حصة بعدها رياضة أو قبلها لأنها تأخذا بألباب الطلاب أشغلت أذهانهم وتفكيرهم عن المقرر، ياسر يحب أفراد الفصل أن يكون منخرط معهم في الفريق؛ لأنه عادةً ما يتغلب ويتفوق فريقه، ورشح لقيادة الفصل في بطولة المدرسة وطلاب المدرسة يتوقعون فصل ياسر يحوز على الكأس.

بنيت المدرسة بشكل هندسي فريد من نوعه ، الممرات وساحات المدرسة واسعة . وكذلك مواقف السيارات تعاقدت المدرسة مع حراس أمن على المواقف حتى تحفظ السيارات من أيدي السراق ولا تسأل عن المقصف كل فصل دراسي يبرم عقد مع إحدى الشركات الكبرى هرفي ، توم توم وهكذا كل ترم شركة جديدة لأجل أن يقدم للطلاب وجبات شهية لذيذة يسيل اللعاب عند تذوقها، يوجد في جانب المدرسة كوفي شوب وزعت في أرجاء المدرسة طاولات مستديرة ينتفع أفراد المدرسة بالجلوس حولها، وفر؛ "الوا ير لس" بحيث تستطيع استخدام الانتر نت متى شئت ، والتكييف يعم المدرسة بأكملها والجرائد والقصص والكتب النافعة في متناول اليد والجوال مأذون باستخدامه.

في مصلى المدرسة صوتيات باهضة الثمن والسجاد والمصاحف جديدة كل خمس سنوات تستبدل بأخرى والقديمة ترسل للخارج، كم شنف ياسر الأسماع بنبرته الحانية بكلمات عذبه رقراقة يبث من خلالها البر والخير مفعولها يسري حتى يستقر في نفوس سامعيه وتتناقلها الألسن يقام في المصلى صباح كل يوم قبل الطابور ب 20 دقيقة حلقة لتسميع القرآن والوقت للمراجعة ليس هناك متسع للحفظ، ألقى في المصلى نخبة من الدعاة والمفكرين الأفاضل وكان المنسق لتلك المحاضرات ياسر.

صدر قرار بحذف الحصة السابعة ففرح به الطلاب كثيراً جلب للمدرسة الأكفاء والأفذاذ من المعلمين في كل فن أحضر المتمكن المتقن لتخصصه كل معلم له مقر خاص به أوجد في هذا المقر الوسائل الحديثة لتعينه على توصيل الفائدة والطلاب كل ما انتهت حصة انتقلوا للمعلم الآخر، من الشروط التي رتبت لبقاء المعلم يستمر في تدريسه يجرى له اختبار كل أربع سنوات ليتبين استمرار جدارته المعرفية لأنه يتقاضى مبالغ كبيرة .

ألصقت لوحات على حائط الفنية رسومات يتبين لك عند مطالعتها اقتدار وخيال راسمها، أفرد جزء من الحائط للصور الاحترافية، وبطبيعة الحال أعمال ياسر من بينها.

مما تميز به هذا الصرح التعليمي لم يضعوا حارساً على البوابة الخارجية ليتعود الطالب على تربية نفسه وقسرها على البقاء بدلاً من أن يكره من غيره على البقاء يعرف حضور الطالب وغيابه ببطاقة يمررها الطالب على المقعد فينكشف للمعلم عبر جهازه المتخلف والملتزم بالحضور، تطبيق هذا النظام أغناهم وأراحهم من تحضير الكشوف الممل المهدر للأوقات.

إذا هممت بالتجوال في ساحات المبنى وجدت الحديقة الغناء وأشجارها ساحرة متدلية ثمارها تبهج وتسر الخاطر تفوح روائح طيبة من زهورها، ياسر مغرم بالبستان يقضي أوقات الانتظار بين أفانينه، العندليب والكناري مفلوته تطير بين أغصانها.

في وسط المدرسة ساعة شاهقة من جهتين يراها القاصي والداني، دورات المياه منتشرة بين أروقت المدرسة صممت بعناية فائقة طوابق المدرسة العليا ،تتضمن عيادة صحية بكامل جاهزيتها للإصابات الطارئة.

عادة ً آخر السنة المكلف بالنشاط يأخذ النوابغ من الطلاب في سياحة للتنزه. من الأنشطة المقامة زيارات مختلفة لشتى الأماكن والبقع الجديرة بالزيارة.

الآن المحاضرة الأخيرة عند ياسر مادة تفسير وهو ينتظرها بفارغ الصبر لأنه يجني منها الكم الكبير من المعلومات شرع الأستاذ في توضيح قوله تعالى(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ))

أخذ المعلم يغوص في أسرار وحكم ودرر الآيات وبدا يحلبها؛ أخرج لهم أرطالا من الفوائد، من بين ما ذكر: لماذا خص الأموال والأولاد بالذكر؟ فأجاب بقوله لأنها أكثر ما يشغل الإنسان. ولماذا قدم المال على الولد؟ لاشتغال الإنسان غالباً بالمال أكثر من الولد تجده يحرص على تنمية المال وقد يعمل في الليل والنهار دوامين وكذلك سبب تقديم المال لأن الولد لا يأتي إلا بعد زواج والزواج يحتاج إلى مهر لذلك قدم المال، وهكذا يتلو الآيات ويفسرها أخبرهم أن القرآن معين لا ينضب، دخل الوكيل في منتصف الدرس وأعلمهم أن المدرسة حصلت المركز الأول على مستوى المملكة وأنبأهم أن مكافآت الشهر قد نزلت لا عليك سوى إدخال البطاقة وتحصل في رصيدك مبلغ وقدره (...) انتهت المحاضرة والسرور يعلو وجوه الطلبه غادر ياسر من محيط المدرسة ولتفت خلفه يتأمل في اسم المدرسة مكتوبة بمهنية عالية بالخط الديواني ((مدرسة وحي الخيال)) المراكب الفاخرة الفارهه أمامه تنتظر من يريد إيصاله للبيت .

§ بدأ توقد الخيال بصوت المنبه وانتهى إلى ما ترى

خالص تحياتي

سعود محمد البديع

الثلاثاء ظهراً

22/5/ 1432

‏28 أبريل، 2011‏، الساعة ‏01:03 مساءً‏